من كتاب " افكار ومواقف " للدكتور / إمام عبد الفتاح إمام
دخلت تتعثر في مشيتها وهي ترفل في ثوبها الفضفاض ، فأشرت إليها بالجلوس ، وانتظرت حتى تلتقط أنفاسها من آثار صعود الدرج العالي ! ثم قلت وأنا أقدم لها فرصة الحديث : - خيراً
كنت انا مرشدها في اختيارها للمواد التي سوف تدرسها في الفصل الدراسي القادم ، وكنت قد فهمت من حديث سابق لها عقب المحاضرة أنها تعاني من مشكلة في هذه المواد ! قالت وغصة الخجل تمنعها من الانطلاق في الحديث
لا اريد أن أدرس معه تلك المادة الي وجهتني إليها في المرة السابقة
ولم؟
يقولون عنه إنه ...كافر
أعوذ بالله !إحذري يا ابنتي من إلصاق التهم بالناس ، فليس في ذلك شيء من الدين ، ولا هو من مكارم الاخلاق
هذا ما يقولونه عنه بحسم يكاد يشبه اليقين
ومن ذا الذي يستطيع أن ينصب نفسه قاضيا فيقضي بدخول فلان إلي الجنة ويزج بغيره إلى عذاب السعير ؟! ليس اتهام الكفر يا ابنتي
كنت انا مرشدها في اختيارها للمواد التي سوف تدرسها في الفصل الدراسي القادم ، وكنت قد فهمت من حديث سابق لها عقب المحاضرة أنها تعاني من مشكلة في هذه المواد ! قالت وغصة الخجل تمنعها من الانطلاق في الحديث
لا اريد أن أدرس معه تلك المادة الي وجهتني إليها في المرة السابقة
ولم؟
يقولون عنه إنه ...كافر
أعوذ بالله !إحذري يا ابنتي من إلصاق التهم بالناس ، فليس في ذلك شيء من الدين ، ولا هو من مكارم الاخلاق
هذا ما يقولونه عنه بحسم يكاد يشبه اليقين
ومن ذا الذي يستطيع أن ينصب نفسه قاضيا فيقضي بدخول فلان إلي الجنة ويزج بغيره إلى عذاب السعير ؟! ليس اتهام الكفر يا ابنتي
، بالأمر الهين ، ومن هنا كان الحديث الشريف الذي يدعو الناس إلى التفكير ألف مرة ومرة قبل إلصاق هذه التهمة البشعة بالناس يقول الرسول الكريم (صلعم) :"من كفر مسلما فقد كفر"! والمغزي العميق الكامن وراء الحديث الشريف واضح وهو أن الرسول (صلعم) يريد أن يضم الناس إلى حظيرة الإيمان ، فلنختلف ، ونحن في قلب الإسلام ، وليكن لكل منا رأيه الخاص الذي يعارض به آراء الآخرين جميعاً ، لكنا مع ذلك نتفق في اننا ننطلق بآرائنا من أرض واحدة هي أرض الإسلام الرحبة التي تسمح بتعدد الآراء واختلاف وجهات النظر
يقولون : إنه في واحد من كتبه أنكر وجود الله
كتبه موجودة ! وأكون شاكراً لو تفضلت فأتيتني بالكتاب المشار إليه ولتستخرجي منه عبارة واحدة يقول فيها ذلك علانية - أوحتي ضمناً- وعندها سوف اتفق معك في كل ما تقولينه
كلا !انه لم ينكر وجود الله صراحة ، ولكنه قال إن الكون يسير وفق قوانين أزلية ثابتة لا تتغير
الله اكبر ! وماذا في ذللك ؟! أيعني هذا صراحة إو ضمناً إنكار وجود الله ؟! أنك لو تأملت ما كتبه الفلاسفة من أدلة علي وجود الله ، لوجدت من بينها ما يسمى بالبرهان الخامس في البراهين الكسمولوجية (( الكونية)) وهو المسمى (( برهان النظام )) ! وسوف تجدين انهم يذهبون ألى أن ما نراه في الكون من نظام هائل وشامل ، وقوانين دقيقة ثابتة ومحكمة لا يخرج عنهت شيء من ظواهر العالم ، هي دليل قاطع وحاسم علي وجود " منظم" أو " علة منظمة " - وهذه العلة المنظمة ، لا بد بالضرورة أيضاً أن تكون عاقلة فكل عتة منظمة لا بد أن تكون علة عاقلة . والعلة العاقلة لهذا العالم هي " الله" تعالى
هذا ما يقوله الفلاسفة
يقولون : إنه في واحد من كتبه أنكر وجود الله
كتبه موجودة ! وأكون شاكراً لو تفضلت فأتيتني بالكتاب المشار إليه ولتستخرجي منه عبارة واحدة يقول فيها ذلك علانية - أوحتي ضمناً- وعندها سوف اتفق معك في كل ما تقولينه
كلا !انه لم ينكر وجود الله صراحة ، ولكنه قال إن الكون يسير وفق قوانين أزلية ثابتة لا تتغير
الله اكبر ! وماذا في ذللك ؟! أيعني هذا صراحة إو ضمناً إنكار وجود الله ؟! أنك لو تأملت ما كتبه الفلاسفة من أدلة علي وجود الله ، لوجدت من بينها ما يسمى بالبرهان الخامس في البراهين الكسمولوجية (( الكونية)) وهو المسمى (( برهان النظام )) ! وسوف تجدين انهم يذهبون ألى أن ما نراه في الكون من نظام هائل وشامل ، وقوانين دقيقة ثابتة ومحكمة لا يخرج عنهت شيء من ظواهر العالم ، هي دليل قاطع وحاسم علي وجود " منظم" أو " علة منظمة " - وهذه العلة المنظمة ، لا بد بالضرورة أيضاً أن تكون عاقلة فكل عتة منظمة لا بد أن تكون علة عاقلة . والعلة العاقلة لهذا العالم هي " الله" تعالى
هذا ما يقوله الفلاسفة
وماذا في ذلك ؟ هم قوم مؤمنون حتي العظام ، وصلوا في درجات الإيمان إلى القمة ! بل إن منهم من تخطى مرتبة الفلسفة إلى طبقات الصوفية كأبي حامد الغزالي مثلا ، أم تشكين في إيمانه هو الآخر
حاشا لله أن يكون أيمان "حجة الإسلام " موضع شك أو ريبة ! لكني أقصد أن برهان النظام المستمد من القوانين الثابتة هو برهان القلسفة لا الدين
لا ! الدين قبل الفلسفة يؤكد النظام والإطراد والثبات في ظواهرالكون التي تحكمها قوانين أزلية هي التي يطلق عليها القرآن الكريم اسم السنن الإلهية ! ومن هنا ذهب " إقبال " إلي أن الطبيعة ليست ركاماً من مادة بحتة شاغلة للفراغ ، بل هي بناء من حوادث أو منهج منتظم من السلوك ، ولهذا فان الطبيعة في التعبير القرآني الرائع هي " سنة الله " ! وهو تعبير يعني النظام ، والترتيب ، والتناسق ، والإطراد والتلازم في الوقوع بمقتضى قوانين ثابته وضعها الله لهذه الظواهر منذ الأزل ، فهي لا تتبدل ولا تتحول ، بل هي مستمرة وداءمة ، وذلك ينفي بالطبع وجود أحداث بلا سبب أو ظواهر تقع مصادفة واتفاقاً ! بل إن القرآن ليتحداك أن تجدي " ثغرة " أو " نقص " أو " انقطاع " في ترابط الأحداث المادية المترابطة المتلاحقة
حاولي ، وتأملي ، وأرسلي البصر في جوانب الأرض جميعاً اتشعري بعدها بالخزي : " الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم أرجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً وهو حسير " آية ٣، ٤ من سورة الملك
هذا كلام رائع لا غبار عليه ! ولكن أليس في ثبات القوانين الأزلية واتمرارها نفي لتدخل " الإرادة الإلهية"؟
الإرادة الألهية هي التي شاءت أن يكون الكون على هذا النظام والاطراد ، ولقد عبر القرآن عن ذلك بتعبيرات مختلفة لكنها في النهاية تؤدي الى معنى واحد هو نفي العشوائية وتثبيت النظام ، فنحن نجده أحياناً يعبر عنها بكلمات " القدر" ، و " التقدير " ، بمعنى أن الله قد قدر لكل شىء قدره ، وأن الظواهر تسير بحساب دقيق " إنا كل شيء خلقناه بقدر " . وكل ما في الكون يسير بمقتضى سنة إلهية ثابتة لاتتغير ... و " ذلك تقدير العزيز العليم " (٩٦ - الانعام) ، الذي وضع قوانين الظواهر بميزان دقيق لأن " وكل شىء عنده بمقدار" ( ٨- الرعد ) ، وتلك مشيئة الله وإرادته في تدبير الكون ؛ " وكان أمر الله قدراً مقدورا " ٣٨ الاحزاب
وكثيرا ما يستخدم القران لوصف هذا النظام كلمة " التسخير " ، وهي كلمة دقيقة ، لأنها تنفي " الإرادة " أو " الوعي " عن ظواهر الطبيعة ، وتجعل أحداث العالم كلها تسير سيراً حتمياً ، لأنها جميعاً " مسخرات بأمره " ١٢ النحل . وأحيانا أخري يستخدم القرآن لفظ " التسبيح " ، ولا جدال أن المقصود بهذا اللفظ هو الخضوع للإرادة الإلهية ، والامتثال للأمر الإلهي المطلق الذي هو " سنة الله " وهو القانون ! كما يستخدم القرآن أيضاً لفظ " السجود " " لله يسجد ما في السموات والأرض طوعا وكرهاً " ١٥ - النحل .. و " النجم والشجر يسجدان .." ٦ الرحمن
أهذه الآية الكريمة التي أرسل أحمد بن المعتصم بالله رسالة إلى الكندي فيلسوف العرب الأشهر يطلب منه تفسيرها ؟
- نعم يا ابنتي ! وكتب فيها الفيلسوف رسالته الشهيرة المعروفة في تاريخ الفلسفة الإسلامية باسم (( الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل )) راح في بدايتها يحلل معنى (( السجود )) في اللغة العربية . ويتكلم عن المعاني المختلفة لهذا اللفظ (( السجود المعروف في الصلاة من وضع الجبهة على الأرض وإلزام باطن الكفين والركبتين الارض )) ! كما يقال لفظ السجود أيضاً بمعنى ((الطاعه)) فيما ليس له جبهة ولا كفان ولا ركبتان ، وجملة ما لا يكون فيه السجود الذي في الصلاة ، فمعنى سجوده " الطاعة "وهو
يستشهد بالكثير من ابيات الشعر للنابغة وغيره ورد فيها لفظ السجود بهذا المعنى ، ولما كانت الكواكب والأفلاك والاشجار لا تسجد سجود الصلاة لأتها ليست لها الأعضاء التي لذلك ، فالسجود هنا بمعنى " الإنتهاء والامتثال إلى أمر خالقها وجريانها ، وفق تدبيره المحكم بحيث تكون لها حركتها المنظومة المورسومة المطردة التي نسميها اليوم " بالقوانين الطبيعية
لكن ألا تستطيع " الإرادة الإلهية " بما لها من قدرة وسلطان وسيادة أن تتدخل في أي وقت لتقلب القوانين أو توقفها تماماً؟
هذا يا إبنتي تصور ساذج " للإرادة الإلهية " لأنها لا تعبث ، ولا تشيع الفوضى والإضطراب في الكون : " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق * ولكن اكثرهم لا يعلمون " ٣٨ ، ٣٩ - الدخان ، بل أن القرآن ليحتقر من يسير على هواه من البشر " أرأيت من إتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " ٤٢ الفرقان ، فما بالك بظواهر الكون التي لا إرادة لها ؟ إن ما تقولينه يا إبنتي هو تصور العالم الشرقي للعظمة ، فهي تعني في بلادنا كسر القوانين ! فيستحيل أن يكون العظيم عظيماً عندنا إن أطاع القانون حتى لو كان هذا القانون من وضعه هو ! لأن العبث بالقيود هي عندنا الحد الفاصل بين السيد والمسود ! فقولي لي إلى أي حد تستطيعين العبث بالقانون والنظام أقل لك في أي مرتبة من مراتب المجتمع أنت ، ولقد نقلنا هذا التصور - للأسف - إلى العظمة الإلهية ، فتصورنا كمال الله وعظمته وقدرته في تعطيل القوانين كيف شاء وحيث شاء ، ولو فهمنا جيداً ما يقوله فيلسوف مثل اسبنوزا من أن الصفات الإلهية ينبغي ألا تؤخذ فرادى بل مجتمعة ، فلا ننظر إلى قدرة الله المطلقة فحسب ، بل أيضاً إلى عدالته وإلى حكمته التي تأبى العبث بالنظام والقانون حتى لو كانت القدرة الإلهية بمستطيعة ذلك من الناحية العقلية ، البحتة ، لو فعلنا ذلك لعرفنا أن الإرادة الإلهية نفسها تقتضي ثبات القوانين ودوامها
أطرقت الفتاة صامتة ثم قالت
أشعر كما لو كنت أدخل لأول مرة عالماً رحباً لك يكن لي به علم من قبل ! لقد إرتحت كثيراً إلى ما تقول ، ولا شك أن نقاشنا واختلافنا داخل حظيرة الإسلام أمر تسعد له السماء ! وإن كان هناك موضوع واحد ربما عدت إلى مناقشته معك : هو موضوع " المعجزة
على الرحب والسعة -
وانصرفت راضية مبتسمة مقتنعة آنهم خدعوها
No comments:
Post a Comment